الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • محاكمة "جيزي بارك" في خواتيمها.. نداء كافالا الأخير في مواجهة القضاء الأردوغاني

محاكمة
محاكمة "جيزي بارك" في خواتيمها.. نداء كافالا الأخير في مواجهة القضاء الأردوغاني

بعد حوالي أربع سنوات ونصف  من الاحتجاز دون إدانة، تقترب المحاكمة الطويلة للناشط التركي عثمان كافالا من نهايتها، حيث أدلى هو وسبعة متهمين آخرين ببيانات دفاعهم النهائية يوم أمس الجمعة. وأطلق كافالا نداءه الأخير من أجل الحرية في قضية أدت إلى توتر علاقات أنقرة المضطربة أصلاً مع الغرب.

في المحاكمة، المعروفة باسم محاكمة "جيزي بارك"، واجه كافالا و 15 متهماً آخرين العديد من الاتهامات، بما في ذلك محاولة قلب نظام الحكم وتنظيم احتجاجات حديقة "جيزي" عام 2013. 

بدأت احتجاجات حديقة "جيزي" كمظاهرة بيئية في حديقة إسطنبول ثم تحولت إلى اضطرابات مناهضة للحكومة على مستوى البلاد ضد رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان. وقتل ثمانية متظاهرين خلال الاحتجاجات.

أمضى كافالا البالغ من العمر 64 عاماً، في السجن لمدة أربع سنوات ونصف دون إدانة، وأمضى 19 شهراً من هذا الوقت في الحبس الاحتياطي. وفي حالة إدانته، يواجه كافالا حكماً بالسجن مدى الحياة.

وقال كافالا أمام المحكمة عبر وصلة فيديو من السجن، "من الواضح أن الذين أصدروا لائحة الاتهام لم يشعروا بأنهم مقيدون بالقوانين، معتبرين أنهم سيحصلون على دعم سياسي لأنهم كانوا يعتزمون إطالة أمد اعتقالي".

وأضاف كافالا "حقيقة أنني أمضيت 4.5 سنوات من حياتي في السجن هي خسارة لا يمكن تعويضها"، مشيراً إلى أن "الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يواسيني هو احتمال أن يساعد ما مررت به على وضع حد لأخطاء قضائية جسيمة".

كانت قاعة المحكمة مكتظة بنحو 200 شخص، من بينهم أعضاء معارضة وجماعات حقوقية دبلوماسيون غربيون.

ويريد الادعاء إدانة كافالا بتهمة "محاولة الإطاحة" بحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال تمويل موجة من احتجاجات عام 2013 ثم التورط بشكل مباشر في مؤامرة انقلاب عام 2016.

اقرأ أيضاً: أنقرة تناشد أوروبا عدم معاقبتها.. بسبب المعارض "كافالا"

تمت تبرئة كافالا من أول تهمة مرتبطة باحتجاجات 2013 في فبراير 2020. لكن تم اعتقاله قبل أن تتاح له فرصة العودة إلى المنزل ثم اتُهم بمحاولة الانقلاب في الليلة نفسها.

قال المدعي العام إيديب ساهينر إنه يجب إدانة كافالا والمهندس المعماري المشارك موسيلا يابيتشي لمحاولة الإطاحة بالحكومة من خلال العنف، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد دون إطلاق سراح مشروط.

وكان من المتوقع صدور حكم يوم الجمعة، لكن المحكمة أرجأت قرارها حتى يوم الاثنين لمنح محامي الدفاع وقتا لإنهاء تصريحاتهم.

إدانة أوروبية وأمريكية 

في ديسمبر 2019، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) حكماً لصالح الإفراج الفوري عن كافالا، قائلةً إن هناك نقصاً في الشك المعقول في أنه ارتكب جريمة. بصفتها دولة عضو في مجلس أوروبا، فإن تركيا ملزمة قانوناً بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنها لم تمتثل في قضية كافالا.

في فبراير/ شباط، بدأت لجنة وزراء مجلس أوروبا (CoE) إجراءات ضد تركيا بسبب إخفاقها في احترام حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتعني الإجراءات أن أنقرة تواجه تعليق حقوقها في التصويت في مجلس أوروبا.

ويعتبر إعلان مجلس أوروبا "إجراء تأديبي" في حق تركيا، قرار نادر للغاية قد يؤدي إلى عقوبات محتملة ضد أنقرة إذا لم يتم الإفراج عن عثمان كافالا بسرعة.

وأثار احتجاز كافالا المطول أزمة دبلوماسية بين تركيا وسفارات 10 دول غربية، حيث اندلعت الأزمة الدبلوماسية في أكتوبر الماضي، عندما انتقد أردوغان سفراء كندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة، بشأن البيان المشترك في العام الرابع لاحتجاز كافالا.

اقرأ أيضاً: دعوات دولية للإفراج "الفوري" عن المعارض كافالا

ورداً على السفارات التي دعت إلى إطلاق سراح كافالا في رسالة، هددهم أردوغان بأن يكونوا "أشخاصاً غير مرغوب فيهم". فيما تراجع عن قراره بعد ما أعتبره "تراجعاً" من قبل السفارات. علماً بأن السفارات ردت ببيانات عامة من جملة واحدة كررت فيها "امتثالها للمادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية"، حيث تنظم المادة القواعد الدبلوماسية ضد التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة.

وفي سياق متصل، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في 13 من أبريل الحالي، تقريرها السنوي حول ممارسات حقوق الإنسان في تركيا. 

وأشارت الخارجية في تقريرها إلى أن الحكومة التركية حدت من الحريات الأساسية وعرّضت سيادة القانون للخطر في عام 2021.

وأكدت في التقرير المكون من 93 صفحة، أن تركيا تعاني من مشاكل كبيرة فيما يتعلق باستقلال القضاء، والقيود الشديدة على حرية الصحافة والتعبير، وكذلك مع حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتنقل. 

وقالت "بموجب تشريع واسع النطاق لمكافحة الإرهاب صدر في 2018، واصلت الحكومة تقييد الحريات الأساسية وعرّضت سيادة القانون للخطر". مشيرةً إلى أنه "منذ محاولة الانقلاب عام 2016، طردت السلطات أو أوقفت عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية والعاملين في الحكومة، بما في ذلك أكثر من 60 ألف من أفراد الشرطة والجيش وأكثر من 4000 قاضٍ ومدعي عام، واعتقلت وسجنت أكثر من 95 ألف مواطن".

وأضافت بأن الحكومة التركية "أغلقت أكثر من 1500 منظمات غير حكومية لأسباب تتعلق بالإرهاب، ولا سيما بسبب صلات مزعومة بحركة رجل الدين فتح الله غولن، الذي اتهمته الحكومة بتدبير محاولة الانقلاب ووصفته بأنه زعيم (منظمة فتح الله الإرهابية)".

كما نوّه التقرير إلى أن إفلات قوات الأمن والمسؤولين الآخرين المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان من العقاب لا يزال يمثل مشكلة.

أرقام صادمة

أطلقت الحكومة التركية العنان لأجهزتها الأمنية لشن حملة اعتقالات تعسفية، بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، ضد معارضين تدعي أنقرة أنهم يشكلون خطراً على أمنها الوطني، ووصلت إلى الإعلان أن المعارضين المعتقلين هم "إرهابيون".

ونتج عن العملية تحقيق مع عدد قياسي من المواطنين الأتراك وإدانتهم بالإرهاب، ووفقاً  للإحصاءات الرسمية، تم إجراء تحقيقات في الإرهاب مع مليوني شخص بين عامي 2015 و 2020، بحسب ما نقلته جريدة أحوال التركية.

وأكدت منظمة  سوليداريتي،  وهي منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان مقرها في بروكسل، بأنه تم فتح تحقيقات بتهم  الإرهاب في تركيا بين عامي 2015-2020،  مع 1،977،699 شخصاً من قبل مكاتب المدعي العام في جميع أنحاء تركيا.

وبالأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان تركيا الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً يبلغ 59 مليوناً، أي بالمحصلة واجه واحد من كل 30 شخصاً في تركيا تهماً ملفقة تتعلق بالإرهاب.

ورفعت قضايا جنائية ضد 512278 شخصاً، بينما قرر الادعاء عدم متابعة التهم ضد 505772 شخصاً. ويشكل أعضاء حركة غولن، وهي جماعة تنتقد الحكومة، الأغلبية الساحقة من أولئك الذين حوكموا وأدينوا.

اقرأ أيضاً: صحيفة إسرائيلية تفضح ممارسات تركيا بسجونها في سوريا

وبناء على القضايا والتحقيقات المرفوعة، أصدرت المحاكم التركية أحكاماً على 508،853 شخصاً - 427،447 رجلاً و 81،455 امرأة. ويبلغ إجمالي عدد المتهمين بالإرهاب 14957 دون سن 18، من بينهم 1020 امرأة.

وحُكم على ما مجموعه 320،063 شخصاً بالسجن لمدد مختلفة بتهم تتعلق بالإرهاب بين عامي 2015 و 2020.

في الوقت الذي قالت فيه وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي عن وضع حقوق الإنسان في تركيا، أن السجون التركية تعاني مشاكل كبيرة مع الاكتظاظ وأدت إلى ظروف في العديد من السجون التي وجدت لجنة مجلس أوروبا لمنع التعذيب (CPT) أنها يمكن اعتبارها غير إنسانية ومهينة في سجونها. في حين كانت الكثير مرافق الاحتجاز كانت تعاني من أوجه قصور هيكلية تجعلها غير مناسبة للاحتجاز لأكثر من بضعة أيام.

وطبقاً لوزارة العدل، حتى مارس / آذار الحالي، كان يوجد في البلاد 374 سجناً تتسع لـ 250.756 نزيلاً ويقدر إجمالي عدد السجناء بـ 283.481 نزيلاً.

وأضافت الخارجية في تقريرها، أنه في حالة عدم توفر مرافق سجن منفصلة للقصر، يتم احتجاز القصر في أقسام منفصلة داخل سجون منفصلة للذكور والإناث. سُمح للأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أعوام بالبقاء مع أمهاتهم السجينات. قدرت منظمة المجتمع المدني في نظام العقوبات، وهي منظمة غير حكومية، أنه حتى أغسطس / آب، كان هناك 345 طفلاً محتجزين مع أمهاتهم. وكان المحتجزون السابقون للمحاكمة يُحتجزون في نفس المرافق التي يُحتجز فيها السجناء المدانون.

ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن مجلس أوروبا، اعتباراً من يناير 2020، من بين 30524 سجيناً أدينوا بتهم الإرهاب في 47 دولة عضوًا في مجلس أوروبا، كان هناك 29827 سجيناً في تركيا.

أي أن عدد المتهمين بالإرهاب والموجودين بالسجون التركية يعادل 98 في المئة من جميع السجناء المدانين بالإرهاب في جميع أنحاء أوروبا، مما يعطي دلائل واضحة عن كيفية انتهاك الحكومة التركية قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة النقاد والمعارضين.

قضية سياسية وقضاء منحاز

يؤكد العديد من نشطاء حقوق الإنسان أن القضية الحالية ضد كافالا ورفاقه لها دوافع سياسية.

حكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان تركيا منذ عام 2002. وبعد إقرار بعض الإصلاحات الليبرالية في البداية، أظهرت حكومة حزب العدالة والتنمية ازدراءً متزايداً للحقوق السياسية والحريات المدنية، وواصلت حملة قمع واسعة النطاق ضد المعارضين منذ محاولة الانقلاب في عام 2016.

التغييرات الدستورية المعتمدة في عام 2017 ركزت السلطة في يد الرئيس، ومع انتصارات المعارضة في الانتخابات البلدية لعام 2019 وتأثير جائحة COVID-19 على الاقتصاد المهتز بالفعل أعطت الحكومة حوافز جديدة لقمع المعارضة والحد من الخطاب العام.

أدى النظام الرئاسي الجديد الذي تم وضعه في عام 2018 إلى توسيع نطاق السلطة التنفيذية الكبيرة بالفعل. مع إلغاء منصب رئيس الوزراء، يسيطر أردوغان الآن على جميع الوظائف التنفيذية، يمكنه أن يحكم بمرسوم ، وأن يعين القضاة والمسؤولين الآخرين الذين من المفترض أن يوفروا الرقابة ، وأن يأمر بإجراء تحقيقات مع أي موظف مدني، من بين سلطات أخرى.

أدى تعيين آلاف القضاة الموالين، والتكاليف المهنية المحتملة للحكم ضد السلطة التنفيذية في قضية كبرى، وآثار التطهير الذي أعقب الانقلاب، إلى إضعاف استقلال القضاء في تركيا بشدة.

فقد تم إقالة أكثر من 4200 قاضٍ ومدعي عام في أعقاب محاولة الانقلاب عام 2016. كما أدى إنشاء النظام الرئاسي الجديد في عام 2018 إلى زيادة الرقابة التنفيذية على السلطة القضائية، أعضاء مجلس القضاة والمدعين (HSK)، وهي هيئة قوية تشرف على التعيينات القضائية والإجراءات التأديبية، يتم تعيينهم الآن من قبل البرلمان والرئيس، وليس من قبل أعضاء السلطة القضائية نفسها.

لقد تآكلت ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة إلى حد كبير خلال حالة الطوارئ بين عامي 2016 و 2018، ولم تتم استعادة هذه الحقوق في الممارسة العملية منذ رفع حالة الطوارئ. تعد الإجراءات القانونية الواجبة ومعايير الإثبات ضعيفة بشكل خاص في القضايا التي تنطوي على تهم الإرهاب. 

وحسب ما نقلته وكالة "فويس أوف أمريكا" قال محمد دوراك أوغلو، رئيس نقابة المحامين في إسطنبول: "كانت هذه القضية قضية سياسية منذ بدايتها، وصاغها الرئيس مباشرة".

بصفته محامياً تابع جميع الجلسات في محاكمة "جيزي بارك"، قال دوراك أوغلو إن الادعاء لم يقدم قضية تبرر الإدانة. وأشار إلى أنه "لا يوجد حتى أدنى دليل"، موضحاً أنه في ظل الظروف العادية، لا ينبغي إصدار أي حكم في هذه القضية.

وكان من المتوقع أن تصدر المحكمة حكماً يوم الجمعة، لكنها أرجأت الجلسة حتى يوم الاثنين للسماح لمحامي الدفاع بإنهاء تصريحاتهم.

اقرأ أيضاً: صحفيون أتراك معارضون لنظام أردوغان يتعرضون لاعتداء عنيف في ستوكهولم

بعد جلسة المحكمة، قال إيفرين إيسلر، أحد محامي كافالا، للصحفيين إن تصرفات الهيئة القضائية منفصلة عن الحقائق.

وأوضح إيسلر أن:"جلسة اليوم أظهرت لنا مرة أخرى كيف فقدت الهيئة القضائية الاتصال بالحقائق. وبغض النظر عما قلناه، أعطت اللجنة انطباعاً بأنهم لم يهتموا ".

وشدد على أن "أحد الانتهاكات العديدة، في هذه الحالة، هو انتهاك الحق في محاكمة عادلة. إن الهيئة القضائية ملزمة بإعطاء الانطباع بأنهم يحمون الحق في محاكمة عادلة".

وتزعم لائحة الاتهام في محاكمة "جيزي بارك" أن الممول المجري المولد والمقيم في الولايات المتحدة جورج سوروس ومؤسسة المجتمع المفتوح التابعة له كانوا وراء الاحتجاجات، وأنهم تصرفوا من خلال كافالا، وهو عضو سابق في مجلس فرع تركيا المجتمع المفتوح.

وينفي كافالا ومؤسسة المجتمع المفتوح هذه الاتهامات، حيث أوقفت المؤسسة عملياتها في تركيا عام 2018، قائلة إنه لم يعد من الممكن العمل في البلاد.

"حقيقة أنه لم يتم استدعاء أي عضو في مجلس إدارة مؤسسة المجتمع المفتوح سوي للإدلاء بشهادته وأن جورج سوروس ليس من بين المتهمين يُظهر أن الأشخاص الذين كتبوا لائحة الاتهام هذه لا يصدقون هذا السيناريو الذي نظمه سوروس ومول احتجاجات "جيزي" من خلالي"، قال كافالا في بيان دفاعه الأخير.

ولم يُخفِ أردوغان عداوته الشخصية لكافالا، واصفاً إياه بأنه عميل شيوعي للأمريكي جورج سوروس المولد في المجر، الذي يُزعم أنه يستخدم الأموال الأجنبية لمحاولة الإطاحة بالدولة التركية.

ليفانت نيوز_ خاص

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!